صحفيون في الميدان بمفردهم: زيادة عدد الصحفيين المستقلين يعني حصولهم على دعم أقل وتعرضهم لخطر أكبر

بقلم: روبرت ماهوني

صحفيّة تركض مع أحد المقاتلين الثوار سعياً لتجنب رصاص القناصين بالقرب من حلب في سوريا، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014. (رويترز/ جلال المامو)
صحفيّة تركض مع أحد المقاتلين الثوار سعياً لتجنب رصاص القناصين بالقرب من حلب في سوريا، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014. (رويترز/ جلال المامو)

ربما لن يُقدِم الصحفي ماثيو آيكنز على دخول أفغانستان بلا مبالاة مرة أخرى كما فعل قبل ستة أعوام.

ويقول هذا الصحفي الكندي الذي يعمل من كابول، “اتبعت الطريقة التقليدية كصحفي مستقل إذ حملت حقيبة ظهر ودفتر ملاحظات وتوجهت إلى منطقة حرب. ولقد قمت بمخاطرات متهورة في البداية دون أن تكون لدي أدنى فكرة عن عواقب ما أقوم به، ودون أية روابط مع أشخاص يمكنهم تزويدي بالنصائح”.

جدول المحتويات

Attacks on the Press book cover
Attacks on the Press book cover

لم يقتصر الأمر على أن آيكنز تمكن من النجاة، ولكن عمله ازدهر وحصل على عدد من الجوائز على تغطيته الصحفية الدولية.

هذا النقص في الإعداد قد يبعث قشعريرة الذعر في قلوب خبراء الأمن في القطاع الإعلامي، إلا أنه المسار الذي ينتهجه العديد من الصحفيين الجدد الذين يحققون نجاحهم الأول.

وقال آيكنز إنه يتعاطف مع الصحفيين المستقلين الذين يقومون بمخاطرات من أجل النجاح في مسيرتهم المهنية، إلا أنه يدرك بأن الجانب الأمني يمثل أمراً حاسماً. وعند سؤاله ما إذا كان سيقوم بما قام به بطريقة مختلفة الآن، تردد قليلاً ثم أجاب، “من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، ولكنني أود أن أصدّق بأنه بوسعي العثور على طرق أكثر حصافة للتعامل مع هذا الوضع”.

لقد أكسبته السنين خبرة تنفعه، ولكن بالنسبة للصحفيين الذين يشقون طريقهم الآن، خصوصاً الصحفيين المستقلين، أصبح العالم اليوم أخطر من ذي قبل.

وخلال السنوات الأخيرة تقلّص المجال المحايد المتاح للصحفيين كي يعملوا كشهود مستقلين على الوقائع. وقد برزت الأخطار التي يتعرض لها الصحفيون على إثر قطع رأس الصحفيَين الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف في سوريا في عام 2014 على يد الجماعة المعروفة باسم الدولة الإسلامية، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام. لقد أصبح الصحفيون مستهدفين، فما عادت الجماعات المتمردة تستخدم الصحفيين لنقل الأخبار، وأخذت بدلاً من ذلك تختطفهم وتجعل اختطافهم هو الخبر.

ويقول ريتشارد سامبروك، رئيس المعهد الدولي للأمن الإعلامي والرئيس السابق لقسم الأخبار في محطة ‘بي بي سي’، “تمثل وسائل الإعلام هدفاً مفيداً إذا كنت تسعى إلى الشهرة، إذ أن وسائل الإعلام تثير لغطاً كبيراً عند تعرض العاملين فيها للخطر. وإذا ما تعرض صحفي للأسر أو القتل فإن ذلك يجلب اهتماماً كبيراً”.

لقد شهد سامبروك تطور أنواع الخطر التي تعرض لها الصحفيون خلال السنوات الاثنتي عشرة من عمر المعهد الدولي للأمن الإعلامي، إذ تصاعدت من الأمن البدني إلى مخاطر التعرض للصدمة والتوتر ثم وصلت إلى الاختطاف بغية الحصول على فدية أو بث دعاية سياسية.

واستجابت المؤسسات الإعلامية الكبيرة لهذا المسار المتصاعد للخطر بأن زادت الموارد التي تخصصها لتغطية البيئات المعادية ووفرت تدريبات على الإسعافات الأولية، والمعروفة في الأوساط الإعلامية باسم “التدريب على التعامل مع البيئات المعادية والإسعاف الأولي الطارئ” (HEFAT)، بما في ذلك تزويد الموظفين بمعدات أمنية وتوظيف خبراء في الأمن.

إلا أن تغيّر الظروف الاقتصادية لقطاع الإعلام دفع بعدد من المؤسسات الإعلامية الصغيرة أو التي تواجه مصاعب مالية إلى تقليص عدد المراسلين والاعتماد بصفة مطردة على الصحفيين المستقلين. وكان ينبغي لهذه الزيادة في الطلب أن تزيد الأجر الذي يحصل عليه الصحفيون المستقلون، إلا أن عوامل أخرى مثل انخفاض كلفة الوسائل التكنولوجية والاتصالات أدت إلى زيادة عدد المراسلين الصحفيين الأجانب الشباب الذي يتوجهون للعمل الميداني، مما أبقى على الأجور التي يتلقوها منخفضة نسبياً ما عدا بعض الصحفيين المستقلين المشهورين. ومع الكلفة الإضافية اللازمة للأمن الشخصي، مثل معدات الحماية والسترات الواقية من الرصاص والخوذات والتأمين، أصبح الصحفيون المستقلون عالقين في وضع لا يُحسدون عليه من انخفاض الأجر وارتفاع المخاطر.

يتوزع الصحفيون المستقلون إلى فئات مختلفة عندما يتعلق الأمر بمستوى الخطر الذي يتعرضون له.

ويقول جون دانيزفيسكي، وهو نائب رئيس ومدير تحرير للتغطية الدولية في وكالة ‘أسوشيتد برس’ التي تعمل مع صحفيين مستقلين في جميع أنحاء العالم، “هناك عدد من الصحفيين المحترفين ممن يتحلّون بالمسؤولية يعملون مع مؤسسات إعلامية راسخة، وقد تمكنوا من بناء مهاراتهم وسمعتهم على مر السنين. وهناك أيضاً صحفيون مستقلون مبتدئون ويأملون بتحقيق الشهرة وجذب اهتمام إيجابي لعملهم الجريء. وأخيراً، هناك صحفيون محليون ممن يعملون مع مؤسسات إعلامية صغيرة في بلدانهم ويبيعون مواد صحفية لوسائل الإعلام العالمية”.

تنتمي الصحفية البريطانية المستقلة لويزا لوفلوك التي تبلغ من العمر 25 عاماً وتعمل في القاهرة، إلى الفئة الوسطى من هذا التصنيف. وإذا حالفها الحظ فستتمكن من كسب ما معدله 1000 دولار في الشهر لقاء تنفيد عدد من المهمات، ويتعين عليها أن تدفع أجرة مترجم وأجرة مسكن من هذا الدخل.

وتقول لوفلوك، “الأمر الأصعب في عمل الصحفي المستقل هو التوتر الذهني المستمر من جراء التفكير بكسب الدخل، وحقيقة أنك لا تعرف أنك ستحصل على دعم إذا حدثت لك واقعة غير متوقعة”.

وكانت لوفلوك قد واجهت هي نفسها واقعة من هذا النوع عندما تعرضت لاعتداء وتهديدات بينما كانت تغطي الاضطرابات التي حدثت في القاهرة في عام 2013. وواجه مراسل صحفي آخر من أصدقائها وضعاً مماثلا، ولكن المؤسسة الإخبارية التي يعمل بها قامت بإخلائه. أما هي وبما أنه لا يتوفر لديها مال لتمكينها من المغادرة، فقد اضطرت أن تظل هناك. وتقول، “إن مقدار الأجر الذي يحصل عليه الصحفي يتماشى مع مقدار الأمن الذي يتوفر له”.

وقالت لوفلوك إنها عملت سابقاً مع صحيفة كانت تتجنب أي نقاش حول واجبها في رعاية الصحفيين المستقلين، ولم يكن لديها أي خطط للتعامل مع الطوارئ. وأضافت، “الحوار الوحيد حول الأمن الذي كان يجري قبل الشروع بمهمة هو عبارة ‘اعتنِ بنفسكِ’ أو ‘فلتبقي آمنة’ في نهاية الرسائل الإلكترونية”.

العديد من المطبوعات تدفع مبالغ قليلة، وقد يصل الأجر إلى 25 سنتاً أمريكياً مقابل كل كلمة، والذي بالكاد يغطي كلفة تغطية الموضوعات المعقدة والخطيرة.

وقال الصحفي توم ديل، وهي صحفي مستقل يعمل من القاهرة أيضاً، “هناك تفاوت هائل بين حجم الجهد اللازم لكتابة مادة صحفية وبين الأجر الذي يحصل عليه الصحفي لقاء هذا العمل”.

وكان توم ديل قد توجه إلى ليبيا آملاً بأن يتمكن من بيع تغطيته الإخبارية لوسائل الإعلام، وقال إنه غير نادم على ما قام به وأضاف مشيراً إلى استعداد الصحفيين الشباب للمخاطرة كي يحققوا شهرة في عملهم، “هذا النوع من العمل سيستمر حتماً طالما ظل التنافس على العمل في الصحافة على وضعه الحالي. فالوظائف المتوفرة نادرة جداً ولا توجد سوى مسارات مهنية قليلة مما يحتم على الراغبين في العمل اتخاذ قرار بالسير في درب المخاطرة. وأنا أعرف أشخاصاً حصلوا على وظائف جيدة بعد عملهم في ليبيا. وليس هناك الكثير من الصحفيين المستقلين الذين يرغبون أن يظلوا على وضعهم هذا عندما يصبحون في الأربعين من العمر”.

وعلى خلفية هذا الوضع الذي يتضمن انخفاض الأجور للصحفيين المستقلين وزيادة المخاطر التي يواجهونها، لا سيما الذين يعملون لحساب وسائل الإعلام في البلدان المتقدمة، بدأ الصحفيون بتنظيم أنفسهم خارج إطار الجماعات الإعلامية والجمعيات الخيرية التقليدية التي تساعد الصحفيين المستقلين. ومن بين هذه المنظمات الجديدة ‘فرونتلاين فريلانس ريجستر‘ (سجل الصحفيين المستقلين في الخطوط الأمامية) التي تتخذ من لندن مقراً لها، ويلتزم أعضاؤها بالمحافظة على المعايير الصحفية المهنية، والمشاركة في دورات التدريب على التعامل مع البيئات المعادية والإسعاف الأولي الطارئ، وشراء بوليصات تأمين ملائمة، واتباع البروتوكولات الأمنية الأساسية قبل التوجه إلى مناطق النزاعات.

وقال فوغان سميث، وهو مصور صحفي مستقل ومخضرم، “لقد احتشدنا معاً وحاولنا تحديد الإجراءات التي يمكنها أن تحقق فرقاً”، وقد أسس هذا الصحفي نادي فرونتلاين لندن (الذي يوفر مكاناً للصحفيين الدوليين، كما أن النادي رعى تأسيس منظمة فرونتلاين فريلانس ريجستر). وأضاف، “لقد شعرنا بالإحباط إذا أنه على الرغم من وجود منظمات تدعم الصحفيين المستقلين …. إلا أنه لم يكن لها ولاية لتمثيلنا، لذا فقد فكرنا بالقيام بشيء لم يقم به أحد من قبل وإقامة هيئة تمثيلية للصحفيين المستقلين العاملين في مناطق النزاعات”.

تضم منظمة ‘فرونتلاين فريلانس ريجستر’ أكثر من 400 عضو وتسعى للتواصل مع المؤسسات الإعلامية من أجل تحسين أجور الصحفيين المستقلين وظروف عملهم.

ويقول فوغان سميث، “إن الحل فيما يخص أمن الصحفيين المستقلين هو زيادة أجرهم بحيث يتمكنوا من شراء بوليصات تأمين ومعدات أمن – ونحن حالياً أبعد ما نكون عن ذلك، ولكننا نرغب بالسير نحو تحقيق هذا الهدف. ونحن نؤمن بأنه إذا تمكن الصحفيون المستقلون من إقناع المؤسسات الإعلامية بأنهم قادرون على تنظيم أنفسهم وقادرون على الاعتناء بالمسائل الأمنية بطريقة جادة وجماعية، فحينها ستعمل المؤسسات الإعلامية معنا، وستستفيد الصحافة فائدة كبيرة لا سيما إذا نظرنا إلى مدى اعتماد المؤسسات الإعلامية على المحتوى الصحفي الذي يوفره الصحفيون المستقلون”.

إن المؤسسات الإعلامية، حالها كحال الصحفيين المستقلين، لا تتبع نهجا واحدا متجانسا بشأن الأمن. فبعض الشبكات الإخبارية ووكالات الأنباء تعامل الصحفيين المستقلين الدوليين والمراسلين المحليين في مناطق النزاعات كما تعامل موظفيها، إذ توفر معدات أمنية ودعماً؛ أما المؤسسات الإعلامية التي تعاني من ضائقة مالية فعادة ما تدفع للمراسلين لقاء المواد التي تنشرها فقط، وفي الغالب يقوم الصحفيون المستقلون بإعداد هذه المواد الصحفية أملاً بنشرها ودون تكليفهم مسبقاً بإعدادها.

أما الغاية المنشودة الأكبر للصحفيين المستقلين فهي الحصول على مهمة أو تعاقد مع أحد المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تغطي الأخبار الدولية. إذ أن هذه المؤسسات عانت من حالات تعرض فيها صحفيون عاملون معها للقتل والاختطاف خلال العقدين الماضيين، لذا فهي تنزع للتعامل بجدية كبيرة مع الشواغل الأمنية وتُعامل الصحفيين المستقلين العاملين معها كما تعامل الموظفين الدائمين فيها.

وينطبق هذا الأمر على وكالة ‘رويترز’، حسبما أفاد رئيس التحرير فيها، ستيفن آدلر. وقال إن الوكالة توفر تدريبات ومعدات أمنية وتغطية طبية لجميع المراسلين العاملين في مناطق النزاعات كما أنها أعادت تنظيم الهيكل التحريري من أجل ضمان سلامة الصحفيين. ولا تُرسل الوكالة صحفيين مستقلين إلى أماكن لا ترى أنه من غير الملائم أن ترسل إليها صحفيين موظفين لديها، إلا أنها قد تنظر في قبول مواد من صحفيين مستقلين عملوا أصلاً في مثل هذه المناطق، حسبما أفاد آدلر الذي ينتمي أيضاً إلى عضوية مجلس إدارة لجنة حماية الصحفيين. وأضاف آدلر، “نحن لن نحرم شخصا ما من سبيل رزقه أو قدرته على العمل لحسابنا لمجرد أنه عمل في أماكن خطيرة. (وكان بعض الصحفيين قد انتقدوا وكالة ‘رويترز’ بسبب اعتمادها على مصورين شباب، بمن فيهم مصورون مرتبطون مع جماعات متمردة، وذلك بعد مقتل الصحفي المحلي المستقل ملهم بركات خلال معركة جرت في ديسمبر/كانون الأول 2013.)

وبعد انتشار مقاطع الفيديو التي تُظهر عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يقطعون رؤوس صحفيين في أغسطس/آب 2014، أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية عن أجزاء من سياستها الأمنية. ونشرت مديرة الأخبار في الوكالة، ميشيل ليريدو، مقالا على مدونة وكالة الأنباء الفرنسية أشارت فيها إلى أن الوكالة لن ترسل صحفيين إلى مناطق تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أو الثوار السوريين.

وقالت ليريدو للجنة حماية الصحفيين “تتمثل الفكرة في ثني الصحفيين المحتملين عن القيام بمخاطرات كبيرة كهذه وأن نقول لهم ‘احذروا، فحتى لو ذهبتم إلى هناك وحدكم وجلبتم مواد صحفية ممتازة، فلن نستخدمها'”. وأضافت ليريدو أنه من خلال الإعلان عن هذه السياسة “أردنا أن ننشر رسالة داخل وكالة الأنباء الفرنسية، إذ أنه من الصعب على محرر الصور، على سبيل المثال، أن يمتنع عن نشر صورة جيدة”. وقالت، “لقد شددت على أننا لن نستخدم مواد أجنبية، ولكننا نواصل استخدام أخبار وصور من أشخاص يعيشون هناك، من مواطنين سوريين”.

وبالمثل، لن تقبل وكالة ‘أسوشيتد برس’ استخدام مواد صحفية من صحفيين غير مكلفين بجمع الأخبار من قبلها، وهي تتعامل مع الصحفيين المستقلين كما تتعامل مع الصحفيين الموظفين لديها عندما يتعلق الأمر بالإجراءات الأمنية، حسبما أفاد محرر الشؤون الأجنبية، جون دانيسوسكي.

ويقول دانيسوسكي، “أعتقد أننا نواجه خسارة تنافسية على المدى القصير في بعض الحالات، ولكن إذا لم نقم بما نقوم به فسيكون البديل هو سباق نحو الهاوية، إذ لن تبقى هناك قواعد وسندفع بأشخاص إلى القيام بمخاطرات غير محسوبة، وأننا سنكون مسؤولين عنهم إذا استخدمنا المواد التي يرسلونها، ونحن نشعر أنه على المدى البعيد يجب علينا كمؤسسة إعلامية مسؤولة أن نضع بعض المعايير وأن نلتزم بها. ونحن نؤمن بقوة بأنه إذا استخدمنا مواد من شخص ما فالموقف الأخلاقي يدفعنا أن نكون مسؤولين عنه”.

إلا أن بعض الصحفيين المستقلين ممن يتمتعون بخبرة طويلة يعتقدون بأنهم هم أفضل من يحكم على مدى المخاطر، ويعربون عن استيائهم من فكرة عدم قبول المواد التي لا تكلفهم المؤسسات الإخبارية بإعدادها.

ويقول الصحفي المستقل توبي ميوس الذي عمل في مناطق نزاعات عديدة في أمريكيا اللاتينية والشرق الأوسط، “أنا أعمل مع مؤسسات إعلامية مسؤولة. وأعتقد أن بعض المؤسسات تفرط في الحذر. أما الفكرة بأنه ‘لن نشتري أي مواد من صحفيين مستقلين يعملون في سوريا أو بغداد’ فأنا أعارضها تماماً. وأنا أعتقد أن هذه الإجراءات التي ترمي إلى حماية الصحفيين المستقلين قد تؤدي إلى قطع موارد العمل أمامهم”.

ويقول ميوس إن رفض المواد التي لا يُكلف الصحفيون المستقلون بإعدادها تؤدي إلى تقييد قدرتهم على تغطية أخبار حاسمة، “تتمثل إحدى طرق عمل الصحفيين المستقلين بأنه قد تنشأ قصة إخبارية مهمة في مكان ما – وغالباً ما يكون ذلك في أماكن خطيرة في العالم – ويتوجه الصحفيون المستقلون إلي المكان بسرعة؛ وبوسعهم الوصول إلى المكان قبل الصحفيين الآخرين، أو ربما يكونون متواجدين في المكان أصلاً وينتظرون حدوث الأخبار، ولا تكون المؤسسات الإعلامية الرئيسية متواجدة فيه لأسباب أمنية أو لأن الصحفيين العاملين معها يغطون موضوعاً آخر في مكان آخر من المنطقة. لذا فإنك عندما تغلق هذا المسار، فلا أعتقد أن ذلك سيعود بالنفع على الصحفيين المستقلين بأي شكل من الأشكال”.

ويُعتبر هدف أصحاب العمل في المؤسسات الإعلامية الرامي إلى عدم تشجيع السلوك المخاطر، وكذلك حاجة المراسلين الصحفيين إلى استغلال الميزة التنافسية التي يتمتعون بها، من العناصر الرئيسية في النقاشات حول مدونة قواعد السلوك وأفضل الممارسات للعمل في مناطق النزاعات. وتسعى المبادرات التي تقودها منظمة فرونتلاين فريلانس ريجستر إلى الحصول على التزام من الصحفيين المستقلين باحترام بروتوكولات الأمن وعدم العمل دون الحصول على تدريبات أمنية وبوليصة تأمين. ويتمثل الوضع المثالي في أن توافق المؤسسات الإعلامية على عدم استخدام صحفيين مستقلين غير مدربين وغير حاصلين على بوليصة تأمين، وأن تدفع أجور عادلة وخلال وقت ملائم لقاء المحتوى الإعلامي الذي تحصل عليه من الصحفيين المستقلين. وفي وقت كتابة هذا المقال، لم تتحقق أية اتفاقية بشأن هذه الخطوط الإرشادية.

ويقول فيليب بالبوني، رئيس الموقع الإلكتروني الإخباري ‘غلوبال بوست’ ومديره العام، والذي نشر فيه الصحفي جيمس فولي مواد إخبارية، “يجب على جميع الأشخاص والأوساط الصحفية الذين يتعاملون مع التغطية الإعلامية الدولية وفي مناطق النزاعات أن يحسنوا أداءهم. يجب علينا أن نؤيد هذه الخطوط الإرشادية الجديدة التي يجب أن تكون حازمة إلى أقصى حد ممكن”.

واقترح عدد قليل من مناصري وضع بروتوكولات أمنية أكثر حزما إعداد نظام اعتماد للصحفيين المستقلين الذين يدخلون مناطق النزاعات مثل سوريا. وسيستند نظام الاعتماد على أن يُبرز الصحفيون أثباتاً بأنهم حصلوا على التدريب على التعامل مع البيئات المعادية والإسعاف الأولي الطارئ وعلى بوليصة تأمين. وهذه الفكرة خلافية في أوساط الصحفيين المستقلين ويعتبرون بأنها تمنح صلاحية لسلطة اعتباطية كي تقرر من بإمكانه جمع الأخبار.

ويرحب ريتشارد سامبروك الذي يعمل في المعهد الدولي للأمن الصحفي بوضع مدونة لقواعد السلوك، ولكنه يشكك بجدوى الذهاب إلى ما يتجاوز هذا الأمر. ويقول، “إنه من الصعب تماماً فرض مدونة سلوك أو وضع نظام اعتماد. وثمة جماعات ترغب بوضع نظام ما للاعتماد الصحفي أو معايير مهنية وفرضها إما على الصحفيين المستقلين أو بشأن التدريب … وهذا مسار من الصعب تماماً السير فيه. فعندما تعمد إلى نقل المسؤولية عن الخطر، سيترتب عن ذلك إشكاليات كبيرة”.

وإذا استمر التوجه نحو تحقيق وعي أكبر بالمسائل الأمنية، فقد لا يكون نظام الاعتماد ضرورياً، إذ أن الصحفيين المستقلين الجدد ووسائل الإعلام الجديدة التي تعتمد على شبكة الإنترنت أصبحت تدرك هذه الحاجة، حسبما يقول بعض الخبراء الإعلاميين. كما أن العديد من الصحفيين المستقلين من التيار العام يودون بفصل أنفسهم عن “سوّاح الحروب” الذين يظهرون أحياناً على الخطوط الأمامية في النزاعات.

ويقول سميث من منظمة فرونتلاين فريلانس ريجستر، “هناك ومن دون شك بعض الصحفيين المستقلين الذين يفتقرون للمهنية. وهناك أشخاص ممن لم يحصلوا على رعاية عائلية كافية عندما كانوا أطفالاً … والحروب تجتذب بعض النوعيات، وبعضهم قد يصبحوا صحفيين عظاماً؛ وبعضهم يبحث عن أشياء لن يجدوها على الأرجح. وهؤلاء غير جادين، ونحن لا نرغب بأن ترتبط أسماؤنا بهم. وعلينا أن نبتعد عنهم، إذ أن الأوساط الصحفية لن تنظر إلينا بجدية إلا أذا تمكنا من فصل أنفسنا عن هؤلاء”.

يدرك الصحفيون المستقلون أيضاً حاجتهم إلى التدريب وما تقدمه منظمات خيرية، مثل ‘صندوق روتري بيك‘ الذي يتخذ من لندن مقراً له ‘وصندوق منتدى الصحفيين المستقلين‘ الكندي، والتي ساعدت على تمويل تدريب بعض المراسلين الصحفيين الذين جرت مقابلتهم لإعداد هذا المقال.

ويقول فرانك سميث، وهو مؤسس شركة ‘غلوبال جورناليست سيكيوريتي‘ (الشركة الدولية لأمن الصحفيين) الأمريكية ومديرها التنفيذي والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، “لقد لاحظنا، ومن دون شك، زيادة في الاهتمام من الصحفيين المستقلين الراغبين في الحصول على تدريب للعمل في البيئات المعادية. ويتزايد الطلب على هذا التدريب. ويبدو أن الناس أخذوا يقتنعوا بفكرة أن العالم مليء بالمخاطر وأن الصحفيين المستقلين يعملون في الخطوط الأمامية، لذا أصبح التدريب حاسم الأهمية”. ويعمل سميث أيضاً مستشارا للجنة حماية الصحفيين لشؤون أمن الصحفيين، ويقول، “لقد زاد اهتمام الجميع بأمن الصحفيين بسبب وجود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا، وتنظيم الشباب في الصومال”.

أحد الأسباب الذي يدفع المراسلين الصحفيين إلى اللجوء للحصول على دعم تدريبي من هذه المنظمات غير الربحية هو أن التدريب قد يكلف مبالغ كبيرة. فالدورة التدريبية على التعامل مع البيئات المعادية والإسعاف الأولي الطارئ التي تستغرق خمسة أيام تكلف ما بين 500 إلى 700 دولار في اليوم الواحد، إضافة إلى نفقات السفر والإقامة.

وبدأت بعض وسائل الإعلام الإلكترونية التي تعتمد نهجا مبتكراً لتغطية النزاعات، مثل ‘فايس نيوز’ و ‘بوزفيد’، تدرك الحاجة إلى معاملة الصحفيين الذين يعملون في مناطق النزاعات معاملةً عادلة وتزويدهم بتدريبات وبروتوكولات أمنية.

ويقول ريتشارد سامبروك، من المعهد الدولي للأمن الإعلامي، “لكن ستظهر وسائل إعلام جديدة لا تتمتع بالخبرات ذاتها أو الموارد ذاتها، وهذا أمر مقلق. ومن بين المسؤوليات التي تنهض بها جماعات الدعم كجماعتنا – ودون أن أعني تأنيب أي أحد أو اتهامه – هو السعي لمساعدتهم على فهم ما الذي ينبغي عليهم التفكير فيه عندما يشرعون في أنواع خطرة من التغطية الإخبارية”.

ويأمل سميث من منظمة فرونتلاين فريلانس ريجستر أن يتمكن على الأقل من إقناع المدراء العامين للمؤسسات الإعلامية بأن مصالحهم المالية تقتضي معاملة الصحفيين المستقلين معاملةً أفضل. ويقول، “إن التعامل الأكثر سخاءً مع الصحفيين المستقلين سيكون استثماراً مربحاً للمؤسسات الإعلامية، وهذا من دون شك جزء من الحل للمشاكل التي نواجهها في جمع الأخبار. وإذا أرادت هذه المؤسسات ألا تنسحب من التغطية الدولية، ومن الواضح أن هذا هو ما تقوم به الآن، فعليها أن تعتمد على الصحفيين المستقلين. وهذا يمثل جزءاً مما هو مطلوب للتعامل مع التحدي الذي نواجهه في التغطية الصحفية الدولية، ضمن نماذج العمل الحالية المعطلة”.

روبرت ماهوني هو نائب مدير لجنة حماية الصحفيين ويكتب حول قضايا حرية الصحافة. وعمل مراسلاً صحفياً في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.