تنظيم الدولة الإسلامية يكبّد الصحفيين وعائلاتهم خسائر ثقيلة في العراق

بقلم: عدي حاتم/ مدون زائر لدى لجنة حماية الصحفيين

اكتسح تنظيم الدولة الإسلامية المسلح أراضي العراق الصيف الفائت حيث استولى على المدن الواحدة تلو الأخرى مخلفاً وراءه موجة من الدمار الذي بدأت تتضح معالمه الآن فقط. وحتى اليوم لا يزال من الصعب استيعاب حجم الدمار الذي حدث، بما في ذلك الدمار الذي لحق بالوسط الصحفي العراقي، حيث تنتشر شائعات بفقدان صحفيين أو مقتلهم فيما تخشى عائلاتهم التحدث بما لديها.

لقد اضطررت إلى الهروب من العراق الربيع الماضي خوفاً على حياتي، غير أني أجريت في الأسابيع القليلة الماضية عشرات اللقاءات مع صحفيين عملوا في داخل العراق وعائلات صحفيين مختطفين وجماعات حقوقية محلية وذلك في سبيل تكوين فهم أفضل لحجم الضرر الذي أنزله تنظيم الدولة بزملائي الذين لا يزالون في الداخل.

ما نعرفه من خلال أبحاث لجنة حماية الصحفيين في سوريا، البلد المجاور للعراق، أن تنظيم الدولة الإسلامية يحتجز غالبية الصحفيين السوريين الذين أبلغت المؤسسات الإعلامية وعائلاتهم عن اختطافهم والبالغ عددهم 20 صحفياً. وفي الخريف الماضي، قدّرت الجمعية التي كنت أرئسها، وهي جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، أن التنظيم يحتجز خمسة صحفيين في العراق. وقال مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، وهو منظمة أخرى تناصر حرية الصحافة وتتخذ من مدينة السليمانية بكردستان العراق مقراً لها، إن مقاتلي التنظيم يحتجزون تسعة صحفيين في العراق.

وقد تكشف لي من خلال الحوارات التي أجريتها الشهر الماضي وجود أكثر من 20 صحفياً وعاملاً إعلامياً عراقياً مفقوداً أو محتجزاً من قبل تنظيم الدولة الإسلامية حتى 5 أبريل/ نيسان. وقد تم في وقت لاحق من الخريف الماضي إطلاق سراح عدد أكبر من الصحفيين الذين أُبلغ عن اختطافهم من قبل مؤسسات إعلامية وعائلاتهم، إلا أنني لم أتمكن من تأكيد تلك الأرقام. كما أنني سمعت روايات عن الطريقة التي أساءت بها هذه الجماعة المسلحة إلى الصحفيين، بما في ذلك جَلدهم وكيف أنها احتلت مباني المؤسسات الإعلامية لاستخدامها كمكاتب وكيف صادرت المعدات الإعلامية من قنوات التلفزيون المحلية وقامت ببيعها.

بعد التحدث إلى كلٍ من عائلات الصحفيين والزملاء ومنظمات حرية الصحافة، تمكنت من التأكد من أن ثمة 18 صحفياً، من أصل 24 حالة، لا يزالون محتجزين من قبل هذه الجماعة المسلحة. وكانت هناك تقارير متضاربة في ثلاث حالات بشأن ما إذا كان الصحفيون في هذه الحالات الثلاث قد قُتلوا على يد تنظيم الدولة الإسلامية. وهناك أيضاً ثلاثة صحفيين مفقودين دون وجود رواية تدعم سبب اختفائهم. وقد طلبت مني عائلات الصحفيين الذين لا يزالوا مفقودين عدم نشر أسمائهم على أمل أن يتم الإفراج عنهم.

وقد جرى اختطاف غالبية هؤلاء في الموصل عندما سيطر تنظيم الدولة بسرعة على المدينة، حسب شبكات صحفية ومصادر محلية. وكان معظمهم يعمل مع محطات تلفزيونية مملوكة محلياً -لبعضها صلات بمسؤولين حكوميين- كتلفزيون الموصلية وتلفزيون سما الموصل وتلفزيون سما صلاح الدين، أو بمحطة إذاعة راديو الشباب إف إم، أو بصحف يومية محلية.

لم يتمكن كثيرون من الهرب في الوقت المناسب أو أن الأمر التبس عليهم بشأن هوية الميليشيا معتقدين أن بعضاً منها ينتمي إلى العشائر السنية المتمردة التي تشكل الأغلبية هناك، وبالتالي فإنه ستتم حمايتهم، فيما صدق آخرون إعلان تنظيم الدولة بأن المقاتلين لن يتعرضوا للصحفيين ولن ينتقموا من المدنيين، بحسب ما أخبرني به زملاء للصحفيين المختطفين. غير أن الجماعة المسلحة عمدت بعد بضعة أيام من استيلائها على المدينة إلى القبض على صحفيين خلال عمليات مداهمة للمنازل والمؤسسات الإعلامية، حسبما أخبرني به زملاؤهم. وفي تلك الأثناء، نفذ تنظيم الدولة إجراءات صارمة بحق أقليات دينية منها الأزيديين والمسيحيين، وأولئك الذين عارضوا المسلحين، وفقاً لما أوردته تقارير الأنباء.

واستُهدف الصحفيون أيضاً في مدينة أخرى، هي تكريت الواقعة شمال العاصمة بغداد. وكان عدد الصحفيين هنا أقل، عموماً، حيث تمكن كثير منهم من الهرب -لعلمهم بنوايا تنظيم الدولة. ولم يُداهم في هذه المدينة سوى قناتان -هما: تلفزيون صلاح الدين وتلفزيون سما صلاح الدين.

وقد نقل التنظيم معظم الصحفيين المختطفين من العراق إلى مقرات التنظيم ومعاقله في مدينة الرقة السورية قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، بحسب من تحدثت إليهم من المراسلين والشهود وجماعات حقوق الإنسان. وقال صحفي محلي، وهو صديق لأحد الصحفيين المحتجزين، إن التنظيم حذر عائلات الصحفيين المخطوفين إنه سيقوم بقتلهم إذا ما كُشف عن أية معلومات عنهم. وقد طلب مني الصحفي الذي تحدثت إليه عدم ذكر اسمه خشية تعرض عائلته للعقاب في الموصل.

وقال صحفي آخر من داخل الموصل، طلب هو الآخر عدم ذكر اسمه خشية التعرض للعقاب، إن بعض الصحفيين الذين يعرفهم والذين أفرج عنهم تنظيم الدولة لاحقاً أخبروه إنهم جُلدوا 70 جلدة قبل استجوابهم وإنهم خُيروا بين الموت أو السجن أو العمل كعبيد مسترقين. وأضاف الصحفي بأن بعض الذين رفضوا العمل خلال التعذيب قالوا إن تنظيم الدولة أطلق تهديدات ضد عائلاتهم أيضاً، لذا فقد واصلوا العمل. أما فنيو إنتاج التسجيلات المصورة، الذين كانوا ضمن هذه المجموعة، فقد ذكروا للصحفي أنهم أُجبروا على إنتاج مواد لتنظيم الدولة، حسب الصحفي.

وأشار الصحفي نفسه إلى أن تنظيم الدولة يستغل الصحفيين المعتقلين لأغراض الدعاية الإعلامية في بعض الحالات. فعندما يرغب التنظيم في تحويل انتباه الناس عن انتكاسة أو هزيمة، يقوم بإعلانات زائفة قائلاً إنه قتل صحفياً، حسب ما أخبرني به المصدر.

وقد تجلت حالة الارتباك الناتجة عن ذلك أثناء إعدادي للبحث لهذه المدونة، عندما ذكرت القنوات الإخبارية أن عائلات رفضت مزاعم تفيد بأن تنظيم الدولة قتل أبناءها. ومن هذه الحالات حالة مهند العكيدي الذي اختُطف بالقرب من منزله في سبتمبر/ أيلول، حسبما ما جاء في التقارير. وكان العكيدي يعمل صحفياً مستقلاً لوكالات أنباء تتخذ من الموصل مقراً لها، ومن ضمنها صدى الموصل، كما وعمل كمذيع في تلفزيون الموصلية.

وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن تنظيم الدولة عبر مكبرات الصوت في مسجد الموصل عن قتل العكيدي، بحسب سكان تحدثت إليهم آنذاك. وأفادت تقارير إخبارية مختلفة نقلت عن مصدر “مقرب” من العكيدي ومسؤول كردي، وعن بيان صادر عن جمعية الدفاع عن حرية الصحافة نقل عن ناشطين لم تُذكر أسماؤهم، أن جثة العكيدي أُعيدت إلى أسرته عبر طبيب شرعي، وأنه قد ظهر على الجثة علامات تعذيب وثلاثة جروح في الرأس ناتجة عن طلقات نارية. إلا أن أحد أقارب الصحفي ومصدر مجهول في مكتب الطب الشرعي نفيا لوكالة الأنباء العراقية صحة تلك التقارير. وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول أصدرت نقابة الصحفيين العراقيين بياناً تدعو فيه كل من يمتلك معلومات عن مكان تواجد العكيدي أن يدلي بتلك المعلومات.

وقد علمتُ من صحفيين محليين وعائلات صحفيين اختطفوا وجماعات مؤيدة لحرية الصحافة، بما فيها جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أن تنظيم الدولة يمارس الضغط على عائلات صحفيين لإجبار الصحفيين في الموصل على العمل لصالح التنظيم. كما أنه يمارس الضغط على من هم خارج المدينة كي لا يعلقوا على التنظيم أو ينتقدوه.

وفي تكريت، التي تم تحريرها مؤخراً على يد القوات العراقية، كان الخراب الذي تسبب به التنظيم للمؤسسات الإعلامية كارثياً. وذكر لي مدير محطة تلفزيون سما صلاح الدين، مروان ناجي جبارة، أن التنظيم استخدم المحطة عندما احتل المدينة كمقر رئيسي له لأكثر من سبعة أشهر، أي من يونيو/ حزيران ولغاية يناير/ كانون الثاني. وقال لي جبارة أيضاً إن تنظيم الدولة سرق معدات راديو وفيديو وأجهزة إعلامية من قناته مما تسبب لها بخسائر بلغت 500,000 دولار.

وقال لي جبارة أيضاً إن تنظيم الدولة أصدر فتوى بقتله و12 صحفياً آخرين عند سيطرة التنظيم على المدينة في يونيو/ حزيران الماضي وقام بتفجير منزله.

وقال صحفي آخر وموظف سابق في محطة سما الموصل، طلب عدم ذكر اسمه خشية التعرض للعقاب، إن محطات كقناة سما الموصل والموصلية ومحطات إذاعة وتلفزيون مرتبطة بالحكومة أُحرقت بالكامل وأن معداتها نُهبت وأنها بيعت في ما يُسمى “سوق الغنائم” أو تم إرسالها إلى مقر التنظيم في مدينة الرقة السورية. وذكر لي الصحفي أن شهوداً على عملية التدمير وصفوا له العملية، وأن زملاء أخبروه أن مقاتلي التنظيم رووا لهم ذلك لمحاولة إخافتهم. وقد بلغ مجمل خسائر محطة سما الموصل -التي كانت توظف 130 صحفياً وعاملين آخرين- 2.3 مليون دولار، حسب الصحفي.

إن قصة وحشية تنظيم الدولة الإسلامية ضد الصحفيين في سوريا -لاسيما الصحفيين الدوليين- معروفة تماماً. وقد حاولت هنا أن ألفت الانتباه إلى المحنة التي يعيشه زملائي في العراق والتي لا تقل مأساوية -بيد أن جزءاً كبيراً من هذه المحنة لم يُروَ بعد.

عدي حاتم هو صحفي عراقي ومناصر لحرية الصحافة. وشارك في تأسيس جمعية مناصرة حرية الصحافة في العراق في عام 2006 وانتُخب رئيساً لها مرتين. وفي عام 2014 استقال من الجمعية وفر إلى فرنسا. وقد حصل على جائزة مدالية حرية التعبير الفرنسية في عام 2009.