الاعتداءات على الصحافة في العام 2010

تقرير عالمي استقصائي تعده لجنة حماية الصحفيين تمهيد

 بقلم: ريز خان 
تمثل التقنيات الحديثة سيفاً ذا حدين، فلقد جعلت حياة الصحفيين أسهل كثيرا من ذي قبل، إلا أنها جعلتها أصعب كثيراً من نواحِ أخرى. وحتى في البلدان الأقل نماءً، والتي أحيانا ما تكون البنية التحتية البسيطة فيها مثل الطرق المعبدة ضرباً من الكماليات، فإن إمكانية الحصول على الهواتف المتنقلة، وسهولة نقل أنظمة البث الفضائية، وتنامي وسائل توصيل هذه الخدمات، ورواج

الاعتداءات على الصحافة في عام 2010
تمهيد
المؤسسات الدولية تتقاعس عن الدفاع عن حرية الصحافة
الكشف عن المعتدين المتوارين الذين يهاجمون عبر شبكة الإنترنت
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:   القمع بذريعة الأمن القومي
مصر
إيران
اليمن
تركيا
تونس
السودان
المغرب
لبنان
إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة
العراق
لقطات سريعة من البلدان

القنوات الإخبارية التي تبث على مدار الساعة، تتيح للتقارير الإخبارية الوصول إلى منازل مئات ملايين الناس بصفة فورية.

يمثل هذا الأمر مشكلة بالنسبة للجهات الراغبة في السيطرة على تدفق المعلومات. فالتغطية الإخبارية تكون عسيرة على التلاعب عندما تكون المعلومات متاحة عبر التلفزيون والراديو والشبكة المعلوماتية قبل أن يستطيع أحد السيطرة على محتوياتها. وبالتالي، ما هي الخيارات المتبقية إذا لم يكن متاحاً إيقاف هذه التغطية الإخبارية؟

لقد أصبح الترهيب وبصفة متزايدة هو الأسلوب المفضل: وذلك من خلال تخويف الصحفيين بحيث يظلون بعيدين عن القصص الصحفية؛ وضمان أنهم يعلمون أن تدخلهم ليس موضع ترحيب. ومن شأن بضعة جثث ملقاة على جنبات الطرق أن تساعد في إيصال الرسالة. وربما يكون هذا الأمر أوضح ما يمكن في المكسيك حيث أدى سفك الدماء المرتبط بتجارة المخدرات إلى وقوع آلاف الخسائر في الأرواح، بمن فيهم العديد من الصحفيين. وتعمد العصابات إلى إلقاء الجثث المشوهة ومقطوعة الرأس على جوانب الطرقات كي توصل رسالتها الوحشية. وعندما يكون ذلك غير كافٍ، فإن إطلاق وابل من الرصاص على مكاتب وسائل الإعلام يزيد من تأكيد الرسالة.

في واقع الأمر، ليس مشاهير الصحفيين الدوليين هم من يواجه الخطر الأكبر، وإن يكن قد سقط منهم ضحايا في كل من العراق ويوغوسلافيا السابقة، بمن فيهم صديقي تيري لويد. فالصحفيون الدوليون عادة ما يكونون زائرين ولا يرسلون تقارير يومية إلى صحفهم وليسوا مرتبطين بعمق بالقصص الصحفية والقضايا الدائرة. ويمكن ببساطة أن يتم حرمانهم من دخول بلد ما. أما الأبطال الحقيقيون الذين يقاومون التهديدات والضغوطات يومياً فهم المراسلون الصحفيون المحليون.

لقد شعرت بإعجاب شديد مؤخراً حينما سمعت قصة الصحفية البرازيلية دانييلا آربيكس، التي تتمتع بمثابرة فريدة لمتابعة المواضيع الصحفية على الرغم من المصاعب الشديدة والتهديدات التي تعترضها. وقد نالت جوائز عديدة على تقاريرها الصحفية في صحيفة “ميناس تريبيون”، والتي كشفت عن العديد من الممارسات ومن بينها إهمال النساء من ضحايا الاغتصاب، والإساءة إلى المرضى العقليين، وتجنيد طلاب المدارس في تجارة المخدرات. وفي كل من تلك الحالات، أدت تغطيتها الصحفية إلى تغيير السياسات الحكومية. وثمة تحدٍ من نوع آخر يواجه الصحفية الإسرائيلة أميرا هاس، وهي ابنة ناجيين من المحرقة النازية وتعيش في غزة والضفة الغربية وتجري تغطيتها الصحفية منهما. فهي تواجه شجبا قاسياً من بعض الإسرائيليين لتجرؤها على انتقاد سياسات بلادها في المناطق الفلسطينية – إلا أنها وجهت أيضاً انتقادات قاسية للقيادة الفلسطينية. وعلى الرغم من الظروف التي تواجهها أميرا هاس، فهي تواصل تحدي أي إساءة في استخدام السلطة.

وكما نعلم، تشكل السلطات الحاكمة المصدر الأكبر للتهديد في العديد من البلدان، إذ تستهدف وسائل الإعلام بصفة مباشرة أو تفرض أنظمة تقييدية تجعل التغطية الإعلامية للمواضيع المهمة أمرا عسيراً. وثمة عدد قليل من البلدان تعتبر استثناءً لهذه القاعدة؛ بيد أن كل حكومة ترغب بشدة أن تسيطر على تدفق المعلومات.

وعندما يأتي الأمر إلى استهداف الصحفيين، فإن الأصابع غالباً ما تشير إلى “المشتبه بهم المعتادين”، مثل إيران ومصر. ولكن الأمر يتجاوز ذلك كثيراً، فالمنظمات الدولية أصدرت أحكاماً مماثلة بشأن سري لانكا والصومال وبلدان أخرى. لقد ظلت القناة التلفزيونية التي أعمل بها، قناة “الجزيرة”، مستهدفة من حكومات في جميع أنحاء العالم أكثر من أي قناة تلفزيونية في التاريخ. فهناك ثمن يتعين تكبده من أجل إظهار الحقيقة، وبسبب تصوير ليس فقط الصواريخ وهي تنطلق، وإنما أيضاً عندما تسقط على أهدافها، على حد تعبير أحد الزملاء.

إذاً، ماذا يحدث في حقبة المدونات ووسيطة تويتر والوسائط الاجتماعية وصحافة المواطنين، حيث يمكن لأي شخص أن يكون “مراسلا صحفياً” أو أن يحشد التأييد لفكرة ما؟ وما هو تأثير كل هذا على تدفق المعلومات والجهات التي تسيطر عليها؟

ربما تكون هذه التطورات هي أهم عامل يغير قواعد اللعبة. فبالنسبة للصحفيين، أخذت الخطوط بين وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية تنطمس وتتداخل، مما يجعل من الأصعب على المنظمات الإخبارية الراسخة أن تنأى بنفسها عن ما يمكن اعتباره آراء منحازة سياسياً. لقد أثرت هذه التطورات بصفة خاصة على وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث غدت القنوات التلفزيونية المحايدة تقليدياً تعرض عددا أكبر من البرامج والشخصيات التي تناصر بشدة آراء محددة. إن السعي لزيادة حماسة الجمهور عبر عرض برامج مشاكسة قد يساعد على رواج البرامج، ولكنه لا يساعد الصحفيين بالضرورة على القيام بعملهم بفاعلية.

وفي عالم اليوم الذي يزداد تشابكاً بصفة مضطردة، ثمة خطر أيضاً من أن تتحول أدنى هفوة  إلى طامة كبرى غير متوقعة العواقب. وقد اكتشف بعض من كبار الشخصيات الإعلامية أن التعبير عن الرأي قد يكلف المرء عمله أحياناً، مثلما حدث مع الصحفية المخضرمة هيلين توماس التي كانت تغطي البيت الأبيض، والصحفية العتيدة أوكتافيا نصر التي كانت تعمل في شبكة سي أن أن، وزميلها ريك سانشيز، وخوان وليامز من الراديو الوطني العام (NPR). وفي كل من تلك الحالات، كان هؤلاء الصحفيون قد تحدثوا خارج المؤسسة الإعلامية التي يعملون بها (كما أن أراؤهم قد عبرت عن وجهات نظرهم الشخصية)، إلا أنها أضافت إلى طمس الخطوط ذاك بين الأخبار التقليدية وبين التعليقات في العالم الجديد للشبكات الاجتماعية.

ونظراً للقوة التي تتمتع بها الشبكات الاجتماعية – والتي أدت إلى سقوط حكومات، وتعبئة المعارضة، وخلقت طلباً على المساءلة – فمن المفهوم أن العديد من السلطات تشعر بأن سيطرتها مهددة، وخير مثال على ذلك الخلاف الذي ثار بين شركة جوجل وبين الحكومة الصينية. وعلى المستوى العالمي، أصبح المدونون حالياً يواجهون المخاطر ذاتها التي ظل يواجهها دائما الصحفيون التقليديون، والتي تتمثل في الترهيب، والسجن، والتعذيب، وحتى الموت.

يزداد هذا الأمر تعقيداً من خلال رغبة وسائل الإعلام التقليدية بدعوة المزيد من المشاركة من العامة، إذ تدعوهم: “أرسلوا لنا إيميل”، “اتصلوا بنا عبر تويتر”، “شاركنا عبر موقع فيسبوك”، “أرسل لنا رسائل نصية”. فالعالم القديم يحاول أن يلتقي بالعالم الجديد لقاء مباشرا، ولكن إلى أين يؤدي كل ذلك بالتغطية النزيهة والمتوازنة التي يقوم بها الصحفيون المدربون، وكيف يمكن لوسائل الإعلام أن تحافظ على حيادها ومصداقيتها؟

وهذا يقود إلى سؤالي الأخير: عند أية نقطة سيؤدي الحجم المتنامي للتعليقات من الجمهور إلى جعل وسائل الإعلام والصحفيين العاملين فيها مستهدفين أكثر ؟ وكما قلت، فإن التقنيات الحديثة هي سيف ذو حدين، وفي هذه الحالة فإن الجميع مهددون أن يقطعهم هذا السيف.

ريز خان هو مقدم برنامجريز خانوبرنامجريز خان ون أون ونعلى قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية.